كم عدد الماركات التي تتابعها على حساباتك في منصات التواصل الاجتماعي؟ هل تشعرين بالرغبة بالحصول على كل ما هو جديد في الموضة؟ اذا، ما هو الموضوع، هل هو هوس التسوق ام هي عبارة عن نوبة تسوق عابرة تزول مع الوقت؟
كلما أرى موضة جديدة، او تريند رائج او موضة عابرة أتذكر كتاب المؤلف المشهور مالكوم جلادويل “نقطة تحول” الذي يتكلم فيه عن عوامل التحول الثلاث الرئيسة.
في كتابه، يروي مالكوم عن كيف قام مجموعة من الفتيان “الهيب” في مدينة مانهاتن بإنعاش ماركة “هش بابيز” Hush Puppies للأحذية التي كانت تعاني من نقص في المبيعات لتصبح ماركة مشهورة ومربحة من جديد خلال منتصف التسعينيات.
يدعي مالكوم ان قانون القلة، وعامل الالتصاق، وقوة السياق هي العوامل التي تجعل أي ظاهرة تنتشر بسرعة.
بشكل مبسط، يعني ان قلة من المؤثرين يمكنهم ان يقودوا تريند معين ويجعلونه يلتصق في اذهان الأكثرية، وعندما يتصادف وجود هذين العاملين في الوقت والمكان المناسب، فان الانتشار يكون بشكل فايروسي.
انا أجد نفسي ميال للاتفاق مع نظرية مالكوم. اشعر بانها تعطيني بعض الأجوبة عن موضوع هوس التسوق او نوبة التسوق الذي نتكلم عنه، اذا كان هنالك شيء من هذا القبيل!
الا ان خلال التسعينيات، الانترنت وما نتج عنه من منصات التواصل الاجتماعي مثل فيس بوك، انستجرام، يوتيوب، تيك توك، وسناب شات، كانت أفكار في طور النمو.
قبل البدء في التحدث عن هوس التسوق ونوبة التسوق، ارجو ان تتحملونني بجولة قصيرة من العلم.
هل تعلمون ما هو اكثر شيء نستهلكه في حياتنا اليومية؟
انه المعلومات.
كل شيء تراه، تسمعه، تتذوقه، وتحس فيه يتحول الى معلومات. هذه المعلومات يتم معالجتها وحفظها في ادمغتنا.
نحن نستخدم هذه الكم من المعلومات في اتخاذ القرارات، الأفعال، والانفعالات العاطفية بشكل مدرك او غير مدرك.
كلما زادت كمية المعلومات التي نستقبلها، نعالجها ونخزنها كلما زادت خبرتنا. الا ان كيف نستخدم هذه المعلومات فهو امر نسبي.
بمعنى اخر، عندما تواجه ظاهرة جديدة، او نشاط، مشهد، خبر، او تذوق جديد، فان عقلك يقارن ما استقبله بما هو مخزن لديه.
سرعة استجابتك لهذه المواجهة المعلوماتية المفترض ان تكون جديدة او قديمة تعتمد على المكان الذي تتواجد فيها هذه المعلومة.
ربما لا أحد يمكن ان يصف هذه العملية مثل الكاتب المشهور دانيال كانمان وكتابه التفكير السريع والبطيء.
يصف كانمان العقل الغير مدرك والعقل المدرك بالنظام واحد والنظام اثنين على التوالي.
باختصار، نظام واحد مسؤول عن اتخاذ القرارات والافعال بشكل سريع وتلقائي من غير تفكير معمق، بينما نظام اثنين مسؤول عن التفكير المعمق والتخطيط لاتخاذ قرار وفعل من غير تسرع.
لذلك، كلما زادت حجم المعلومات التي يستسقيها عقلنا عن موضوع معين ويعالجها زادت خبرته في هذا الموضوع.
مع الوقت، يقوم الدماغ بتشكيل ذاكرة عن هذا الموضوع. بالتالي، تنتقل المعلومات المتكونة عن هذا الموضوع، ربما بشكل جزءي، من نظام اثنين الى نظام واحد، حيث تصبح الية اتخاذ القرار عن هذا الموضوع اسرع. الا انه خلال هذه العملية، يواجه عقلنا تأثيرات متعددة قد تجعل قراراتنا وافعالنا متحيزة.
على ضوء ذلك، قال بعض العلماء بانه بالإمكان القيام بهذه العملية بواسطة الكمبيوتر. من الممكن ان نعمل برامج تستطيع ان تحاكي الالية التي يعمل بها العقل البشري.
فرضيتهم كانت نوعاً ما صحيحة، ونتج عنها ما يسمى بالذكاء الاصطناعي.
باختصار، حتى يتسنى للذكاء الاصطناعي اظهار مدى فاعليته، هو بحاجة الى بيانات لبناء أنماط. تتبع هذه الأنماط
التكرار في سلوك معين. بالتالي، هي تقوم بمقارنة الماضي بالحاضر لتوقع المستقبل. اذا لم يكن هنالك ماضي فلن يكون هنالك مستقبل.
الان، كفى علم، ودعونا نرجع الى موضوعنا حول التسوق.
ربط كل ما تحدثنا عنه سابقاً مع ما تقدمه الماركات، يمكن ان يعطينا إشارات حول موضوع هوس التسوق ونوبة التسوق.
تقوم الماركات بإرسال رسائل من خلال وسائل الاتصال والاعلام المتعددة.
تسعى الماركات لبناء صورة عن علاماتها التجارية في اذهاننا. بشكل ادراكي او غير ادراكي، تهدف الماركات لجعل هذه الصورة المتكونة تلصق في اذهاننا لفترة طويلة.
لذلك، عندما تسمع او ترى موضة، موديلاً، منتج، او تريند جديد في السوق، تبدأ الصورة الملتصقة في ذهنك بالتحرك.
عندما يتزامن هذا التحرك مع الوقت والمكان المناسبين، تبدأ رحلتك بالتسوق مع هذه الماركة.
مع وجود قنوات الاتصال ومنصات التواصل الاجتماعي الالكترونية، يصبح موضوع الزمان والمكان كلي الوجود.
عندما تستخدم الماركات المؤثرين والمشهورين للترويج عن منتجاتهم، فان القلة تصبح كثرة. الماركات هنا تسعى لان تحاكي وتلامس تجربتك العاطفية وترابطك الذهني معها.
واضف الى ذلك استخدام بعض الماركات لأدوات الذكاء الاصطناعي، يصبح طريق اتخاذ القرار بالشراء أقصر.
يؤدي تفاعل صورة الماركة، المؤثرين، الذكاء الاصطناعي، ومنصات التواصل الاجتماعي الى خلق جو من الاثارة. جو الاثارة هذا هو ما يسمى بنوبة التسوق، الذي بسببه يصبح الكثير يرغب بالمزيد من منتجات هذه الماركة. اذا كنت من هؤلاء الذين يرغبون هذه الماركة، فمن الممكن ان ينتابك نوع من هذه الاثارة. اذا كنت ممن تزيد عندهم درجة الاثارة، وقتها من الممكن جداً ان يكون لديك هوس التسوق.
ان ما يزيد او يقلل من درجة هوس التسوق هو ما يسمى بالخوف من ان يفوتك شيء (فومو). ربما تشعرين انه اذا لم تحصلي على هذا المنتج في الحال، قد لا استطيع الحصول عليه لاحقاً. الخوف من ان يفوتك شيء قد يزيد عندما تواجهين ضغطاً من اقرانك والمحيطين بك لأنه يمكنهم الحصول على هذا الشيء وانت لا تستطيعين.
هوس التسوق ونوبة التسوق.
دعنا نرى كيف تقوم الماركات باستغلال نوبة التسوق ومحاولة تحويلها الى هوس التسوق.
الماركات الذكية تراقب، تشاهد وتستبق الاحداث في الوقت المناسب. تسعى هذه الماركات لبناء مجتمع حولها من خلال اختراق ثقافة معينة او بناء ثقافة خاصة بها.
هذا ما حدث مع ماركة هش بابيز في كتاب مالكوم. ساعدت ثقافة “الهيب” او الشارع ماركة هش بابيز بالانتشار
ثقافة الهيب مرتبطة بثقافة “الشارع” Drop التي تعبر عن مظاهر الحرية، الشباب، الطبيعة، والتواضع بأشكال متعددة.
بالتالي، هرعت ماركات الأزياء لتغذية هذه الثقافة بمنتجاتها.
اذا كان هنالك شخص يشعر بالانتماء لهذه الثقافة، فان هذا الشخص يسعى لإظهار هذا الانتماء.
بالمناسبة، ليس من الضروري ان يكون هذا الشخص متأصل او متعمق بأفكار هذه الثقافة. اظهار نوع من التواصل ربما يكون كافياً لهذا الشخص.
الان عنصر الاثارة موجود، والمعادلة اكتملت لانتشار الموضة او التريند وقيادتها من قبل الماركات لجذب الزبائن.
الماركات المشهورة مثل سوبريم Supreme وأي سوس ASOS هي من الماركات التي نمت حول ثقافة الشارع.
كيف تحول الماركات الاثارة الى نوبة تسوق.
في عالم التسويق، هنالك اسلوب يسمى “بعرض لفترة محدودة“. هذا الاسلوب له علاقة بما يسمى بـ “نسخة محدودة”. هذين الصديقين عبارة عن انعكاس لاحد المفاهيم الأساسية لعلم الاقتصاد وهو محدودية التوفر، والذي يبنى عليه ما يسمى بمبدأ العرض والطلب.
عندما يكون هنالك القليل مما نريده ونرغبه، فانه سيكون الطلب عليه عالي. لكن عندما نشعر بانه متوفر بكثرة، فان حالة الاثارة المصاحبة للطلب الزائد تميل الى الفتور.
على ضوء ذلك، فكر اصحاب الماركات بذكاء واستنتجوا بأنهم يستطيعون إبقاء حالة الاثارة.
تعتبر “النسخة المحدودة ” استراتيجية رنانة، لكن ماذا لو كان بإمكان الماركات عمل المزيد من النسخة المحددة وجلب المزيد من المبيعات.
هذا هو ما قامت به ماركات الأزياء مثل زار Zara، اتش اند ام H&M، ويوني كلو Uniqlo.
بدل اغراق السوق بمنتجات أزياء وعروض موسمية، تقوم هذه الماركات باستطلاع السوق ومراقبة التريند. فهم يراقبون ما يثير اهتمام جيل الالفية وجيل زي Zوتقديم منتجات حسب هذه الاهتمامات لكن بكميات محدودة. مع الوقت، أصبحت الزبائن تدرك هذا الامر؛ أي اذا لم نقم بشراء المنتج في الوقت الحالي، هنالك احتمالية كبيرة بان لا نحصل عليه لاحقاً. بذلك، اصبح دورة تقديم منتجات محدودة اقصر.
هنالك ماركات مشهورة ذات تاريخ مرموق مثل ماركة “غاب” Gap لم تدرك هذا المفهوم الحديث، حيث اعتقدت ان ما اشتهرت به من موضة الجينز والتيشيرت خلال التسعينيات ستكون كافية لبقائها من ضمن صفوة ماركات الأزياء، لكن للأسف هذا لم يحصل.
بينما كانت ماركات الأزياء السريعة هذه تستفيد من استراتيجيتها وتكبر، الماركات الأخرى مثل غاب وليفايز Levi’s كانت تعاني.
حسناً، ماذا بالنسبة الى الماركات الثمينة؟ هل ستدع هذه الفرصة تفوتها؟ لا اعتقد ذلك.
هنالك انطباع بان الماركات الثمينة تخدم المستوى الأعلى من الزبائن. هذا صحيح نوعاً ما.
لكن هنالك فرصة كبيرة يمكن ان تستفيد منها هذه الماركات الثمينة. وهي تريد حصة من هذا السوق من دون ان تؤذي صورة علامتها التجارية.
ماركة لويس فيتوون Luis Vuitton تعاونت مع ماركة سوبريم، وماركة بير بيري قدمت نوع جديد من المنتجات تحت اسم سلسلة بي Burberry B Series.
بغض النظر عن التريند الرائج، فان الماركات لا توفر جهداً لان تكون جزءاً من هذا التريند: ثقافة الشارع، حياة السود مهمة، فيروس كرونا، وانا ايضاً
مثال جيد على ذلك، هو ما قامت به ماركة نايكي Nike بدعمها لموقف لاعب كرة القدم الامريكية كولين كابرنيك ضد العنصرية.
مع كل تداعيات دعاية نايكي التي أظهرت كولين كابرنيك بدور البطل، كانت نايكي اكبر المستفيدين.
يمكن ان الماركات تسعى بان تجعل منتجاتها محدودة لكنها بالتأكيد تسعى لان تكون شاملة بصورتها التي تناصر قيم المجتمع مثل التعدد، المساواة، الاخلاق، وأنها لكل الناس.
يمكنك ان ترى هذه الصورة على المواقع الالكترونية لهذه الماركات وحساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي. الصورة التي تريد ان تظهر بها هذه الماركات ليست مقتصرة على الصورة النمطية لعارضات الأزياء ممشوقة الطول. الماركت تريد ان تقول بانه إذا كنت لا تشعرين بانك لست مثل عارضات الأزياء، انت لست مستثناة. منتجاتنا للجميع،
هذا ليس كل شيء، هنالك المزيد
كما ذكرت سابقاً، تسعى الماركات لان تعطي الزبائن شعور بالحصرية (أي انه من ضمن الفئة المتمكنة من اقتناء منتجاً ما)، وبنفس الوقت، تريد ان تعطي صورة عن نفسها بانها شاملة الجميع.
بالرغم من ان ثقافة الشارع ليست الوحيدة التي تحاول الماركات اختراقها، الاثارة التي تجلبها هذه الثقافة بشكل مباشر وغير مباشر هائلة، وبنفس الوقت، لعبت قنوات التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في تفعيل هذه الاثارة.
ربما كانت نية الفاعلين في بروز هذه الثقافة هو التعبير عن الشعور بالشباب، الحرية، الاستقلالية، والتواضع. وهذه التعابير كانت صادقة وبريئة، وربما موضوع الحصرية والتميز لم يكن في الحسبان.
الا اذا اضفت عامل الحصرية والتميز لهذه الثقافة، ربما سيكون لديك معادلة مثالية للإثارة، وهذا بالضبط ما قام به ما يسمى بالتسوق الاجتماعي الالكتروني، والذي هو عبارة عن تفاعل لعنصر الاثارة مع قنوات التواصل الاجتماعي والتسوق الالكتروني.
يعتبر التسوق الاجتماعي، الذي دمج التواصل الاجتماعي مع التسوق الالكتروني، ظاهرة جديدة نسبياً. اصبح هنالك نزعة لدى الكثير من الناس مشاركة تجربتهم في التسوق سواء كانت جيدة او سيئة على قنوات التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك، انستجرام، وتيك توك.
اذا كنت تشعرين بانك جزء من شيء ما، فما الخطأ بمشاركة هذا الشعور مع الاخرين. واذا كنت تشعرين بان لديك شيء حصري لا يستطيع الكثير الحصول عليه، فلما لا تتفاخر به.
ربما إذا كنت تشعرين بالإثارة اتجاه ما لديك، مشاركة هذا الشعور يزيد من الاثارة، واذا كنت قد مررت بتجربة تسوق سيئة، مشاركة هذه التجربة مع الاخرين قد يزيل عنك بعض من شعور الندم. وربما مساعدتك للأخرين بتجنب الخطأ الذي وقعت فيه يزيل عنك حمل التجربة السيئة.
ما الذي تعلمناه؟
على الرغم من ان الكثير من الماركات تسعى لإثارة نوبات تسوق لمنتجاتها وتحويل هذه الاثارة الى هوس تسوق، الا ان هوس التسوق يخصنا نحن كمستهلكين.
الان، إذا كان لديك هوس تسوق ام لا، انت أكثر شخص تستطيع الإجابة على هذا السؤال. هل هو امر سيء؟ ليس بالضرورة، لكن بالأول عليك ان تسأل نفسك إذا كنت قادرا على تلبية هذا الهوس.
إذا كان لديك هوس التسوق وأردت ان تتخلص منه، فعليك اولاً ان تفكر بسلوكك التفاعلي على منصات التواصل الاجتماعي، لان هوس التسوق هو نتيجة وليس سبب.
اذا كنت ممن يعتقدون بانهم من زاهدي التسوق او عقلانيين جداً، فقد تظنين بانك بعيدة عن كل هذا الصخب وما يسمى هوس التسوق او نوبات التسوق.
قد تكون محقاً باعتقادك، لكن صديقي/صديقتي ان تكون زاهد بالتسوق او عقلاني جداً هو ايضاً نتيجة وليست سبب، وهو بالمناسبة شيء جيد اذا كنت بالفعل تعنيه و جيدة في التعامل معه.
لكن، انا نفسي، الكاتب لهذا المقال وافترض انني مدرك بما يجري، قد اقع بسهولة ضحية أساليب الماركات.
لا أدرى لماذا كلما اسمع كلمة زاهد ويسير، استذكر مشهد من فيلم “الطيار” Aviator، عندما يقابل الممثل ليوناردو دي كابريو (الذي يلعب دورهاورد هيوز) عائلة صديقته كيت بلانشيت (التي تلعب دور كاثرين هيب بيرن) على الغذاء ويتحدث عن عمله وانجازاته، فيرد عليه احد افراد العائلة “نحن لا نهتم بأمور المال هنا”، فيرد عليه ليوناردو “ذلك لأنه لديكم الكثير منه”.
ربما انت تستطيع الربط، لا أدرى!
ان هذا الامر يعتمد على كيفية تقييمك للأمور وعلى ترتيبك للأوليات حسب الإمكانيات.
عودة الى الموضوع؛ نرى بان الذكاء الاصطناعي يقوم بعمله، لكنه مثل ادمغتنا احياناً يتصرف بانحياز، لكن على الأقل نحن كبشر لدينا عواطف على العكس من الذكاء الاصطناعي.
لذلك احياناً التصرف بشكل عفوي والاستمتاع باللحظة يعطي شعوراً جيداً. ربما الموضوع كله عاطفي او تهكمي….. ربما!